السبت، 7 أبريل 2012

وصية لقمان لابنه



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

 أخي القارئ الكريم ... أختي القارئة الكريمة ...

من وصايا القرآن الكريم التي أعجزت الفصحاء في بلاغتها وأثرها الإيجابي في النفس في تربية الأطفال وتأديبهم بأدب القرآن الكريم وتجاوبهم مع أخلاقه الخالدة: وصية لقمان لابنه وهو يعظه، فهي درس خلقي وأدبي رباني لا زال يعطي لأطفال كل عصر ما يتناسب مع حضارته ومعطياته، ولكل جيل ما يهيئه ويعده إعدادا قويا وصالحا يتجاوب مع هذه الحضارة وتلك المعطيات الحية، بخلود القرآن الكريم، وازدهار حضارته وأصالة قيمه الخلقية والبلاغية، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ، يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 13-19] .
في هذا التصوير القرآني المعجز في بيان بلاغي أخاذ، يرسي قيما خلقية وتشريعية لعلاقة النشء مع ربه في قضية التوحيد وعدم الشرك بالله، وعلاقة النشء مع نفسه وعلاقته مع والديه وأسرته، وعلاقته مع مخلوقات الله، كما توضح علاقة الأب بأبنائه منذ المراحل الأولى في حياته، فهو مسئول عن رعيته يرعاهم ويرشدهم بأسلوب يفيض رقة وعطفا وحنانا ويخاطب به العاطفة والعقل والمشاعر والوجدان، في بناء جسد قوي وتهذيب للروح صافية نقية في توازن واتزان بينهما على السواء، وبذلك تصلح الأسرة لتكون خلية حية وقوية في تشكيل المجتمع الإسلامي قويا عزيز الجانب، فيسمو بحضارة الإسلام المتجددة في كل عصر ولكل جيل، لذلك احتوت الوصية على معالم رئيسية في بناء الطفل وتكوينه على أسس قوية تجمع بين هذه العلاقات المختلفة:
1- تصور الوصية قضية التوحيد وإخلاص العقيدة لله وحده لا شريك له، فالشرك بالله ظلم عظيم وجرم كبير.
2- تصور الوصية ما يجب على الأطفال من البر والطاعة في غير معصية للوالدين، ومصاحبتهما بالمعروف، مهما اختلفت أحوالهما وعلاقتهما عرفانا بالجميل وإنصافا لأصحاب الفضل عليهم.
3- الحرص على طاعة الله وتوحيده وطاعة الوالدين والبر بهما في الحياة كلها، فلا يهمل ذلك أو يغفل عنه، لأنه محاسب على ذلك عندما يرجع إلى ربه؛ فالله وحده خلقه وأماته وأعاده إليه ليحاسبه على تفريطه وعصيانه.
4- تصور الوصية مراقبة الله له في كل حين وإحاطته بكل شيء، ليغرس في نفسه منذ المراحل الأولى للطفولة غريزة المراقبة والحضور والخوف، والتدبر والتفكير العميق، والاهتمام والعزيمة الصادقة، والمتابعة والتواصل، وذلك في تصوير تهتز له العاطفة، ويمتلأ به الوجدان والقلب رهبة ورغبة {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} .
5- تنمية القيم والعلاقات الاجتماعية التي تحييها وتجددها: أداء الصلاة ومواصلة الصبر في المعاملة مهما كانت الشدائد والعقبات، والحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليؤدي الطفل دوره الفاعل في بناء نفسه، ولا يقصر في تقدم مجتمعه ورفعته.
6- تصور الوصية قيما خلقية سامية يتعامل بها مع المجتمع من حوله فلا يؤدي مشاعرهم، فيصدر عنه ما يكرهونه أو يفرق وحدتهم ويفسد المودة بينهم، فتنفره من الكبر والخيلاء والإعجاب بالنفس وهتك الحرمات والخوض في أعراض الناس وتلويث البيئة بالأفعال القبيحة والصور المنفرة والأصوات المزعجة وذلك في صور يهتز لها الوجدان وينخلع منها القلب وتتفق مع الفطرة والعقل جميعا {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ... } .
7- تؤكد الوصية أن القيم الإنسانية والخلقية بما يتفق مع فطرة الإنسان في كل عصر ولكل الأجيال، فما أوصى به لقمان في الماضي البعيد أقره الإسلام، ولا زال يقره ويحث عليه في الحياة الدنيا؛ لأنها قيم ثابتة وحية ترتبط بوجود الإنسان وحياته.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق